A V E R R O E S
السياسات العامة

تحفيز الاستثمارات الخاصة في البنية التحتية في مصر

ميرال سليم - مصر - 05/18/2021 04:18

الملخص التنفيذي:

الاستثمار الخاص سواء المحلي أو الأجنبي من أهم ركائز النمو الاقتصادي. ويتخذ المستثمر قراره الاستثماري وفقا لمَوَاطِن تعظيم العائد والربحية. في مصر، وعلى الرغم من أن مشروعات البنية التحتية تتميز بالعائد المضمون والمستقر وعلى الرغم من وضع الدولة قانون وإنشائها وحدة مركزية بهدف تعزيز مشاركة القطاع الخاص للقطاع العام، إلا أن القطاع الخاص لا يزال يُحجِم عن الاستثمار في مشروعات البنية التحتية. ويـأتي ذلك نظرا لعدة أسباب على رأسها تقييد الحرية الاقتصادية في مصر وإتباع الدولة لسياسة المساندة الانتقائية للقطاع الخاص، علاوة على العديد من التعقيدات التشريعية والإجرائية والتمويلية الأخرى.

تعريف المشكلة: 

تستهدف الورقة محاولة تصور ما يجب أن تكون عليه السياسة الاستثمارية الفعالة والتي تؤدي إلى تحفيز الاستثمار الخاص في البنية التحتية في مصر. وتنعكس أهمية الورقة في الأسباب الملحة التي تتطلب وجود سياسة كهذه، والتي من شأنها المساهمة في تخفيف الأعباء المالية والمخاطر عن الموازنة العامة للدولة والسيطرة على معدلات العجز والدين العام المتفاقمة، بالإضافة إلى إتاحة الفرصة للتسعير الحقيقي والعادل للسلع والخدمات المرتبطة بالبنية التحتية، ومواجهة النقص الحاد الكمي والكيفي في البنية التحتية في المناطق النائية والمهمشة في مصر، وضمان التخطيط المسبق والالتزام بتنفيذ عمليات الصيانة والإحلال والتجديد للبنية التحتية، وخلق فرص جديدة للعمالة وأسواق المال المحلية. وتتمثل السياسة المقترحة في إبرام عقود امتياز مع القطاع الخاص تخوله كامل المسئولية عن مشروعات البنية التحتية والخدمات العامة في مصر، على أن تكون تلك العقود محددة المدة وقابلة للتجديد. ويتم تجديد العقود حال استيفاء مؤشرات الأداء الرئيسية وذلك وفقا للمعايير المقترحة تفصيلا بالورقة، وهي معايير تتعلق بمدى إشراك المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتوفير المناخ الملائم للعمالة المحلية، وتعزيز المنتجات وأدوات التمويل المحلية، وغيرها من المعايير التي تضمن إقامة مشروعات ذات أثر تنموي إيجابي. وأخيرا تضع الورقة تصورا لدور الدولة الأكثر فاعلية في هذا الشأن والذي ينبني على مبادئ تكافؤ الفرص والشفافية والمساءلة. ولتحقيق ذلك، يُقتَرَح إنشاء منصة إلكترونية تتضمن معلومات تفصيلية وكاملة ودورية عن الفرص الاستثمارية المتاحة في قطاع البنية التحتية، بالإضافة إلى مساهمة الدولة في بناء قدرات المستثمر المحلي، وتوفير ضمانات مخاطر الاستثمار، وتطبيق اللامركزية في عمليات ترسية العقود، والعمل على تعظيم استفادة المشروعات الصغيرة والمتوسطة من فتح باب الاستثمار في مشروعات البنية التحتية، وأخيرا إعطاء المستثمر الحرية المُطلقة في تسعير السلعة أو الخدمة طوال فترة الامتياز وفقا لآليات العرض والطلب. 

الإطار العام:

تأتي أهمية قطاع الاستثمار نظراً لمردوده الإيجابي المباشر وغير المباشر على تعزيز النمو الاقتصادي الشامل والمستدام. فالناتج المحلي الإجمالي لأي دولة يتكون من إجمالي الإنفاق الحكومي، والاستهلاك الخاص، والاستثمار، والفارق بين الصادرات. وهذا يعني وجود علاقة طردية قوية ومباشرة بين معدل الاستثمار وحجم النمو الاقتصادي، فزيادة معدلات الاستثمار في الاقتصاد الكلي تعمل على تعزيز الطلب المحلي من السلع والخدمات وبالتالي الإنفاق المحلي، كما أنها تساهم في توسيع القاعدة الإنتاجية وزيادة طاقتها وتحديثها، علاوة على تحسين كفاءة وإنتاجية مدخلات الإنتاج وذلك من خلال تدريب العمالة المحلية على الأساليب الحديثة للإنتاج وتعزيز عملية نقل المعرفة والتكنولوجيا الحديثة للمشروعات المحلية. بالإضافة إلى ذلك، يساهم الاستثمار في خلق فرص عمل جديدة وفي زيادة الصادرات. 

والاستثمار هو قرار يُتخَذ من قِبَل المستثمر بتوظيف الموارد المتاحة حالياً في اقتناء أو تكوين أصول بهدف تعظيم العائد في المستقبل. ويعني ذلك أن المستثمر يتخذ قراراً بزيادة معدل ما يتم ادخاره من دخله المتاح في الوقت الحالي وتوجيه تلك المدخرات إلى إقامة أنشطة اقتصادية جديدة أو التوسع في الأنشطة الحالية بهدف تحقيق عائد وبالتالي زيادة في الدخل المستقبلي. ومع اختلاف أشكال وأغراض وجهات الاستثمار، يظل تعظيم العائد والربحية والحاجة إلى التوسع والتنوع هي المحركات الرئيسية للمستثمر. لذا يقوم المستثمرون بإجراء مقارنات وعمليات فحص وتقييم واختيار مستمرة فيما بين مختلف الدول والقطاعات والمنتجات لتحديد الأكثر استقراراً ونمواً والأقل تكلفة والأعلى فرصاً لنقل التكنولوجيا والمعرفة. 

وهنا يأتي السؤال: لماذا لا ينجذب المستثمر الخاص إلى قطاع البنية التحتية في مصر؟ فمشروعات البنية التحتية لا تتضمن فقط بناء الطرق والموانئ والمطارات والسكك الحديدية، بل تشمل أيضا قطاعات الصحة والتعليم والمرافق العامة والإسكان الاجتماعي، أي أنها تمثل المرافق والخدمات الأساسية والضرورية التي يعتمد عليها الاقتصاد للنمو، ومن ثَمَّ الطلب عليها مستمر ومضمون. وبالتالي ينظر المستثمرون إلى مشروعات البنية التحتية على أنها منفذاً جاذباً للاستثمار لعائداتها النقدية المستقرة والمأمونة. وبالرغم مما سبق، وبالرغم من إنشاء الحكومة المصرية للوحدة المركزية للمشاركة مع القطاع الخاص بوزارة المالية عام ٢٠٠٦ وإصدارها لقانون "تنظيم مشاركة القطاع الخاص في مشروعات البنية الأساسية والخدمات والمرافق العامة" (رقم ٦٧ لسنة ٢٠١٠)، لا تزال معدلات الاستثمارات الخاصة في البنية التحتية في مصر ضئيلة للغاية. فتشير إحصائيات العام المالي ٢٠١٥/٢٠١٦ إلى استمرار تَرَكُز الاستثمار الخاص في مصر في قطاعات بعينها وهي البترول الخام والتعدين والغاز الطبيعي 24.7% من إجمالي الاستثمارات الخاصة)، والصناعات التحويلية والمنتجات البترولية (18.5%)، والنقل والاتصالات (16.3%)، والإسكان والأنشطة العقارية (15.1%). أما القطاعات المرتبطة بالبنية التحتية فنسبة استثمارات القطاع الخاص بها ضئيلة للغاية، حيث بلغت 0% من إجمالي الاستثمارات الخاصة في قطاع الخدمات المالية والـتأمين والضمان الاجتماعي، و0.6% في قطاع الكهرباء والمياه، و1.8% في قطاع الخدمات الصحية، و2.24% في قطاع الخدمات التعليمية، و3.1% في قطاع التشييد والبناء. كذلك يشير الجدول أدناه إلى أن عدد المشروعات التي تم التوقيع عليها في إطار المشاركة بين القطاعين العام الخاص منذ إنشاء الوحدة المركزية في 2006 حتى تاريخه هو ثلاثة مشروعات فقط. فقطاعات مثل المياه وتحلية المياه والصحة وخطوط السكك الحديد والمترو والطرق والمحاور والمطارات وتدوير المخلفات الصلبة والنظافة لم تشهد أية مشروعات. 


تنزيل المستند